بعد عشرين سنه --- قصة لذيذه

دخل علي غير عادته إلي المطبخ ... فوجدها كعادتها تعمل فيه بكل جهد و نشاط.. إقترب منها في قلق, و جذبها من ذراعها.. أخبرها أنه يريدها في شئ هام, فلم تتعجب لذلك..
سار إلي غرفتهم في ثبات, و سارت خلفه و هى تنشف يدها في مريلة المطبخ.. جلس علي السرير و أجلسها بجواره.. نظر لها علي إستحياء فوجدها منتظره الكلام.. هى تعلم ماذا سيقول, إما سيشكوا لها من شئ لا يعجبه في المنزل كالعادة, أو سيكلمها عن عمله و مشاكله..
و بدء هو الكلام.. سألها علي إستحياء: هل... هل أنت... سعيدة معى؟؟ ....دهشت للسؤال كثيرا.. ركزت نظرها عليه في ذهول.. لحظات و أبعدت نظرها إلي الأرض.. ضحكت ضحكة سخرية و ردت: و ايه لزوم السؤال دلوقتى؟؟.. كرر عليها السؤال و لكن هذه المرة بإلحاح أكثر: هل أنت سعيدة معى؟؟... سكتت لبرهة و أخذت نفس عميق.. و لكنها سرعان ما عادت لتقول: الحمد لله.. الحمد لله علي كل شئ...
لم يرتاح لكلامها.. فهم أنها تخفي شئ.. فأعاد السؤال و لكن بصيغة أخرى: يعنى إنت عمرك ما ندمتى علي زواجك منى؟؟.. سكتت مرة أخرى لبرهة ثم توجهت له بنظرها قائلة: و ايه لزوم السؤال ده بعد عشريين سنة جواز؟؟.. فرد عليها مسرعا: و لماذا لا؟؟... ثم أكمل في إستحياء: مش يمكن أكون إكتشفت بعد العشرين سنة دى إنى كنت ظالمك... تندهش كثيرا و تقول: و ايه اللي خلاك تحس بكده؟؟ .. فيرد علي إستحياء أيضا: أبدا... فجأة إكتشفت إنى بقالي عشرين سنة معك و لم أسئلك في يوم  كيف حالك؟؟... تزداد دهشتها و تكرر سؤالها في إندهاش: و ايه اللي خلاك تفكر في الموضوع ده فجأة... يسكت قليلا و يأخذ نفس عميق قبل أن يرد قائلا: قابلت اليوم بالصدفة خالتى.. هل تتذكرينها؟؟ لم نرها منذ وفاة والدتى من 6سنوات.. و كان معها إبنتها الكبرى. و كالعادة سألتهم عن أحوالهم و عن زوج خالتى, و سألت إبنتها عن زوجها و أولادها. و كالعادة بادرتنى هى بسؤالي عن أخى فرددت أنه بخير و الحمد لله.. ففاجأتنى خالتى و قالت لي: و ما أدراك أنه بخير؟؟ هل هو من قال لك هذا؟؟.. فتعجبت أنا و أبنتها و لكنى رددت عليها قائلا: لا... و لكنى أرى أنه لا يوجد ما يتعسه... فردت علي قائلة: طوال عمرك و يا بنى و أنت سطحى,يا بنى ليس كل ما لا تراه غير موجود, فالله لا نراه و لكنه موجود, لا تحكم علي شئ من الخارج فقط, إدخل فيه عن طريق السؤال صاحب الشأن قبل الحكم عليه..... فسكت و شعرت بالحرج.. فبادرتنى إبنة خالتى بسؤالى عن أحوالك حتى تزيل الحرج عنى.. فرددت عليه بخير و ال.... و سكت لحظتها.فقد وجدت خالتى تنظر لي و كأنها تريد أن تعيد علي السؤال: و ما أدراك؟؟ هل سألتها لتحكم أنها بخير؟؟..... فأدركت في تلك اللحظة إننى طول العشرين سنة عمر زواجنا لم أسألك في يوم( كيف حالك؟؟) و كنت فقط أكتفى بسكوتك كعلامة علي رضاك..
فسكتت قليلا قبل أن تقول: عموما كويس إنك أخذت بالك من شئ كهذا, الإنسان مهما كبر هيفضل يتعلم لأخر يوم في عمره... فيبادرها قائلا: يعنى إنت سعيده معى فعلا؟؟ فتسكت و تنظر للأرض.... فيبادرها قائلا: طب أسهل عليك السؤال, كم مرة سببت لك ألام جمسانية؟ أو نفسية؟؟..... تنظر له بعيون مليئة بالكلام.. و لكنها تظل صامته... فيقوم منفعلا و يقول لها غاضبا: أرجوك إتكلمى.. إنت ليه مش عايزه تساعدينى؟؟ أنا مش عايز أرجع للخطأ الذى كنت أفعله ثانيتا.. لماذا لا تساعدينى؟؟ لماذا لا تتكلمى.. و تتطلبي.. و تشتكى؟؟... أليس هذا من حقك؟؟؟ ... أليس هذا من واجبي عليك؟؟.... لماذا لا تصرخى في وجهى و تطالبي بحقك؟؟ لماذا لم تصرخى منذ سنيين و تطالبي بجميع حقوقك المهدرة؟؟؟... أهو الضعف؟؟ أهى الإنهزامية؟؟ و أهى الكرامة؟؟... و أى كرامة و كبرياء في سكوتك علي الذل و المهانة؟؟.. أتعتقدى أنك تحافظيين علي كرامتى؟؟... و أى كرامة لي بعد الإهانة التى أهنتها اليوم أمام خالتى؟؟... إذا كنت واجهتنى منذ البداية ما كنت وقفت اليوم هذا الموقف المهين أمام خالتى, و ما كنت شعرت أمامها بالعجز و الفشل.....
و يعود للجلوس.. و يمسك يدها في هدوء و يقول: أرجوك ساعدينى.. لأول مرة أطلبها منك بصراحة.. أرجوك ساعدينى, أنا فعلا متعب و محتاج للمساعدة.. ساعدينى... تنظر له بحزن عميق.. و تبدء في الكلام...
تنتهى من الكلام.... ينظر لها بتعجب.. هم لا يدركوا كم مر عليهم من الوقت في الكلام... يتأسف لها عن كل كلمة .. عن كل جرح.. عن كل ألم سببه لها دون أن يدرى... يتفقوا علي نقاط اساسية.. أولا لا تكرر هى ثانيتا مسألة سكوتها عن حقها.. و لا يكرر هو ثانتيا عدم سؤاله عنها كل حين... باقي النقاط كانت واضحة لكليهما.... لم يخجل حين عرض عليها الذهاب للطبيب لحل أحدى المشاكل.. هو مستعد لعمل أى شئ للتكفير عن خطأه.... لم ترد هى و أحنت رأسها لأسفل في حزن, فعلم أنها موافقه...
إنتهى الحوار دون أن يعلم أحد كم مر من الوقت أو حتى كيف بدء.... نظر لها و كأنه يراها لأول مرة.. امرأة تشعر و تحب.. تتألم و تحنو.. تطلب و تشكو..... لقد رأته هو أيضا لأول مرة.. رجل يهتم و يرعى.. يعطى و يسمع.. يعطف و يحمى...
لم يكن غريبا ساعتها أن يقوم و يقبلها في جيبينها فتبتسم هى علي إستحياء

و يضئ فلاش الكاميرا معلنا إلتقاطه للصورة....

0 التعليقات:


صفحات الموقع