حكاية مؤسس ويكيليكس

أخرج صاحب موقع ويكيليكس الصحفي الأسترالي جوليان أسانج الولايات المتحدة الأميركية عن طورها يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بعد نشره وثائقها الدبلوماسية الموصوفة بالسرية.
الكونغرس الأميركي سارع لبحث الأضرار الناجمة عن النشر, وكلف الرئيس باراك أوباما خبير مكافحة الإرهاب راسل تريفرز بتحديد الإصلاحات الهيكلية المطلوبة بعد التسريبات, في حين دعا سياسيون إلى اعتقاله، وطالب آخرون صراحة بقتله بدون محاكمة.
ثمة دول حليفة كالسويد عبرت عن مؤازرتها لواشنطن وأصدرت عبر الشرطة الدولية (أنتربول) مذكرة اعتقال بحقه لاستجوابه بشأن ما وصفت بأنها جريمة جنسية.
لكن الصحفي المهدد في سلامته الشخصية ما زال متواريا عن الأنظار في بريطانيا ينتظر جلاء الغبار الناجم عن أخطر عاصفة تهز الولايات المتحدة منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
فمن هو ذلك الصحفي الذي جرح كبرياء واشنطن وعرى دبلوماسيتها في ما وصف بأنه أخطر عمل تجسسي تشهده القوة الأعظم؟
أوباما كلف خبيرا في مكافحة الإرهاب بحصر الأضرار الناجمة عما نشره أسانج
(رويترز-أرشيف)
الصحفي الأسترالي -كما تظهر معلومات الإنترنت حول نشأته واهتماماته- هو نتاج طبيعي للمزاوجة بين الشغف بالعلم والغوص في عالم الإنترنت وممارسة الصحافة الاستقصائية.
أسانج الشغوف منذ الصغر بالرياضيات والفيزياء بدأ نشاطه على الإنترنت بالقرصنة (هاكرز) منفردا ثم شكل مع اثنين من نظرائه ما عرف بجماعة المخربين العالمية.
وما لبث هذا الفتى الأسترالي المولود في مقاطعة كوينزلاند عام 1971 أن حوّل الصراع مع صديقته السابقة على حضانة ولدهما إلى قضية عامة حيث شكل بالتعاون مع أمه مصرفا دوليا للمعلومات الخاصة بالسجل القانوني لحالات حضانة الأطفال بأستراليا.
عالم القرصنةبدأ أسانج حياته العملية مطلع تسعينيات القرن الماضي مبرمجا في إحدى شركات الاتصالات في ملبورن، وشارك بصفة باحث في تأليف كتاب عن عالم القرصنة على الجبهة الإلكترونية.
وفي عام 1999 سجل باسمه عنوان "ليكس دوت أورغ" دون أن يقدم شيئا من خلاله. ومدفوعا بشغفه بالرياضيات والفيزياء انضم بين عامي 2003 و2006 إلى ست جامعات أسترالية وكان يدرس أيضا الفلسفة وعلم الأعصاب.
عند تأسيسه موقع ويكيليكس عام 2006 كتب شارحا الفلسفة الكامنة وراءه بالقول "لتغيير سلوك الأنظمة, علينا أن نكون متأكدين مما إذا كنا قد أدركنا بالفعل حقيقة أنها لا تريد أن تتغير. وعلينا أن نفكر في ما وراء ما فكر فيه أولئك الذين سبقونا إلى اكتشاف التغييرات التقنية التي حددت لنا طريقا للتحرك باتجاهات لم يسبقنا إليها الأجداد".
وفي مدونته كتب أسانج قائلا "إن المنظمات الأكثر سرية أو جورا هي تلك التي تقلق التسريباتُ قيادتها وصناع قرارها. وبما أن الأنظمة الجائرة تغري بطبيعتها الخصوم، وبما أن لديها اليد العليا في أمور كثيرة، فإن التسريبات تتركها مكشوفة أمام أولئك الباحثين عن أشكال للحكم تتميز بالانفتاح".
لقطة مأخوذة من المروحية الأميركية أثناء استهداف صحفيين عراقيين (رويترز-أرشيف)
وفي ترجمة لهذه الرؤية نشر أسانج وثائق تتعلق بقتل قضاة في كينيا، وأخرى تتناول دفن نفايات سامة على سواحل بعض الدول الأفريقية، وثالثة عن الإجراءات المتبعة في معتقل غوانتانامو، مما أهله للفوز بثلاث جوائز صحفية إحداها مقدمة من مجلة إكونومست والثانية من منظمة العفو الدولية.
استهداف الصحفيينلكن رؤيته لنفسه بوصفه خصما لما وصفها بالأنظمة الجائرة دفعته في أبريل/نيسان الماضي إلى نشر فيديو يظهر مروحية أباتشي أميركية تطلق نيرانها على صحفيين عراقيين.
وخلال العام الجاري تابع هجومه على هذا "النظام" عبر نشر يوميات الحرب الأميركية بأفغانستان ثم أتبعها بالوثائق الخاصة بحملتي الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق عبر وسائل إعلامية بينها الجزيرة, قبل أن يصل إلى ضربته الصاعقة للهرم الدبلوماسي الأميركي يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
المعركة بين ويكيليكس والنظام الذي وصفه أسانج بالجائر لم تنته بدليل تأكيده أنه رغم الحملة عليه يعتزم نشر وثائق تخصّ عالم الشركات، وهو ما أثار الرعب في قلب عالم المال في الولايات المتحدة.

0 التعليقات:


صفحات الموقع