سيناريوهات ما بعد مبارك

تترقب أوساط دولية وعواصم مهمة في مقدمتها طهران وأنقرة وتل أبيب وواشنطن وصولاً إلى الرياض ودمشق، مجريات الأحداث على الساحة الداخلية المصرية، وتحاول أن تتوقع الاحتمالات الممكن حدوثها في حال غياب الرئيس حسني مبارك بشكل مفاجئ أو الدعوة لانتخابات رئاسية.

واعتبر مراقبون أن الدعاية والملصقات الإعلانية لجمال مبارك نجل الرئيس المصري تعد انطلاقة شبه رسمية لما يمكن تسميته قطار التوريث، ومحاولة تخريج الأمر شعبياً لتسهيل تخريجه برلمانياً.

ويشير مركز دراسات الوحدة العربية، في تقرير خاص حول هذا الموضوع، إلى أن هذا التطور يأتي بفترة حرجة تصاعدت فيها الشائعات حول صحة مبارك، وازداد الاهتمام الإقليمي والدولي بالوضع المصري، مع احتمالات التنحي لأسباب صحية.

الحزب الحاكم والجيش
وتنذر الحالة الصحية لمبارك بتطور دراماتيكي يقلب موازين ومخططات القوى السياسية الفاعلة في مصر. وفي مقدمة تلك القوى الحزب الوطني الحاكم، الذي يملك ما يسمى عوامل النجاح الثلاثة "السلطة والنفوذ والثروة".

أمّا القوة الثانية التي يحاول الحزب الحاكم أن يكون دائماً على موجة واحدة معها، فهي المؤسسة العسكرية الأمنية. ورغم أن الجيش لم يتخذ موقفاً معلناً بشأن من سيخلف مبارك، فإن المؤسسة العسكرية تجد صعوبة بوصول شخص من خارج مدرستها.

كما لوحظ الفترة الأخيرة بروز قوات الأمن المصرية وتضخمها الكبير في الكثير من المناسبات خصوصاً التظاهرات والاحتجاجات السلمية التي تنظمها الأحزاب والجماعات المعارضة.

ويرى التقرير أن قوات الأمن أصبحت مجهزة وقادرة على مواجهة أي نوع من الشغب أو عمليات "الإرهاب" ولديها مهارات ميدانية عالية، وهي عوامل أساسية لتحديد القدرات المتزايدة للمؤسسة العسكرية الأمنية في مصر.

جمال مبارك يستعد لخلافة والده برأي مراقبين (رويترز-أرشيف
المعارضة
ويمكن تحديد قوى أخرى ذات نفوذ مقيد بعوامل عدة تضعف قدرتها. فالإخوان المسلمون هم جماعة لا يمكن لأحد تجاهل نفوذها على الساحة, لكن مخاوف كثيرة تحيط بإمكانية وصولهم إلى الحكم.

وتحاول أطراف المعارضة، ومن ضمنها جماعة الإخوان أن تتوحد بجبهة واحدة لمواجهة الاستحقاق الرئاسي. ومن بوادر ذلك، توافقها مع مطالب المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، بالضغط على النظام بكل الوسائل والطرق السلمية القانونية لتعديل الدستور وضمان نزاهة الانتخابات. ورغم ذلك لا تبقى المعارضة خارج دائرة مخاطر العجز والانقسام.

البرادعي
بعد ذكر التعديلات الدستورية للمادة 76 التي تنص على طريقة إدارة الانتخابات الرئاسية، لم يعد مجهولاً سبب عدم إمكانية ترشح البرادعي للرئاسة، فهو يمكن أن يعلن نفسه مرشحاً مستقلاً إنما لا سبيل أمامه للحصول على تأييد 250 عضواً من مجلسي الشعب والشورى والمجالس المحلية في المحافظات.

 البرادعي يصر على تعديل الدستور (الأوروبية-أرشيف
لهذا، فإن البرادعي يصر على تعديل التعديلات الدستورية ويرفض طرح اسمه للرئاسة قبل ذلك.

إمكانية واحدة
ويرى التقرير بهذا الصدد أن أحزاب وجماعات المعارضة باتت أمام إمكانية واحدة وهي التجمع في جبهة واحدة، وتناسي الخلافات واختيار مرشح واحد وتعطيل مشروع التوريث.

سيناريو واحد يبقى طرحه ضرورياً رغم أن احتمالات تحقيقه تبدو صعبة برأي التقرير، وهو تشكيل جبهة وطنية تضم كل الأحزاب من المعارضة والحزب الوطني الحاكم بعد إعلان غياب مبارك، وذلك لفترة انتقالية وتحت إشراف عربي أو دولي من أجل الإعداد بطريقة هادئة للانتخابات وبمهلة تمتد لأكثر من ستين يوماً.

الانقلاب الطبي
ويتحدث التقرير عما يسميها الساعات القليلة الأخيرة قبل إعلان غياب مبارك، مشيرا إلى طرح سيناريو تدخل المؤسسة العسكرية من خلال مقاربة تقترب من "الانقلاب الطبي" في تونس، حيث تولى زين العابدين بن علي السلطة من الحبيب بورقيبة الذي كان مريضاً عام 1987 في انقلاب وُصف بـ"الطبيّ الأبيض". ورغم ذلك فالكثير من المراقبين يستبعدون هذا السيناريو، باعتبار أن المؤسسة العسكرية لا تتدخل بالسياسة من حيث المبدأ.

وما لا يمكن تجاهله أيضاً، كما يقول تقرير مركز دراسات الوحدة العربية، هو احترام المؤسسة العسكرية لما ينص عليه الدستور بالمادة 84 "في حال خلوّ منصب رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم عن العمل يتولى الرئاسة مؤقتاً رئيس مجلس الشعب، وإذا كان المجلس منحلاً حلّ محلّه رئيس المحكمة الدستورية العليا، وذلك بشرط ألا يرشح أيهما للرئاسة، مع التقيد بالحظر المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة 82. ويتمّ اختيار رئيس الجمهورية خلال مدة لا تتجاوز ستين يوماً من تاريخ خلو منصب الرئاسة".

الأيام الستون التي ينص عليها الدستور هي تحديداً ما يخشاه الجيش المصري، لإمكانية حدوث اضطرابات في الشارع. وبالتالي، فإنّ أي انقلاب من قبل الجيش يمكن أن يمنع حدوث ذلك. ويمكن للجيش أيضاُ أن يمتثل للقواعد الدستورية ويتولى خلال فترة الستين يوماً مهمة الحفاظ على استقرار البلاد.

الانتخابات الطارئة
ويعني عدم تدخل الجيش المصري لتحويل مسار الكرسي الرئاسي عن مشروع التوريث, الانتقال إلى مرحلة الانتخابات الطارئة, بما يعني أنه لا مجال لخوض حملات انتخابية، إنما عملية سريعة لتحديد أسماء المرشحين المحتملين للرئاسة. هذا السيناريو يصبّ برأي التقرير في مصلحة نجل الرئيس مبارك.

يضاف إلى هذا أن القوى السياسية ليست وحدها المتحكمة بالقرار الأخير، حيث انتخاب رئيس الجمهورية يتمّ عن طريق الاقتراع السري العام المباشر بحسب المادة 76 من الدستور المصري، فالقرار يبقى نظرياً بيد الشعب المصري.

وهناك قضايا كثيرة تتحكم بقرار المواطنين لا تتعلق كلّها مباشرة بالحسابات السياسية، إنما هي قضايا اقتصادية واجتماعية بامتياز.

والتظاهرات والاحتجاجات السلمية مؤخرا هي مؤشر على أن الشعب المصري، كما يقول التقرير، يعيش حالة مختلفة تمزج ما بين التمرّد والأمل بوجود منقِذ

0 التعليقات:


صفحات الموقع