تسريبات "ويكيليكس".. وثائق تحت السيطرة

السفير إبراهيم يسري: عملية منظمة أحرجت القادة وخاصة العرب
- د. عماد جاد: الوثائق تم تسريبها بضوء أخضر من الإدارة الأمريكية
- د. وجيه عفيفي: أوباما يجمل صورة الديمقراطيين أمام الأمريكان
- د. سليمان صالح: الثورة المعلوماتية تجبر الأنظمة على الشفافية

تحقيق: مي جابر ويارا نجاتي
أثارت وثائق (ويكيليكس) التي تجاوز عددها ربع مليون وثيقة تم تسريب عدد كبير منها حتى الآن جدلاً كبيرًا في الشارع الدولي؛ حيث اعتبرها البعض زلزالاً سياسيًّا ضرب الإدارة الأمريكية بقوة، ووضعتها في موقف حرج من الصعب تجاوزه، بينما يرى البعض الآخر أنها افتراءات متعمدة من الإدارة الأمريكية لإرسال رسائل لقادة العالم تؤكد لهم أنها قادرة على فضحهم أمام شعوبهم، بينما يقلل فريق ثالث من شأنها ويعتبرها مجرد نميمة إعلامية.

واحتوت بعض الوثائق على السخرية من بعض القادة والتقليل من شأنهم، فركزت إحدى الوثائق على الجذور اليهودية للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ووصفت أخرى روسيا أنها "أشبه بدولة مافيا"، والرئيس الروسي ميديفيديف بأنه ضعيف ومتردد يخضع لسيطرة رئيس الوزراء فلاديمير بوتين "المتسلط" الذي ما زال يمسك بالملفات الأساسية مثل الملف النووي الإيراني.

كما اتهمت إحدى البرقيات لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بالفخر الزائد والطموح الجامح النابع من اعتقاده بأن الله هيأه لقيادة تركيا، بالإضافة إلى كونه يملك رغبة قوية للتمسك بالسلطة، في حين وجهت وثائق أخرى اتهامات لحكومته بالفساد، وقالت إن أردوغان نفسه لديه ثمانية حسابات في البنوك السويسرية.

وتناولت بعض الوثائق التعاون بين الإدارة الأمريكية والأنظمة العربية المختلفة في الجانب العسكري، فكشفت وثيقة طلب يمني من الولايات المتحدة بشن ضربات ضد القاعدة في شبه الجزيرة العربية، كما فضحت أخرى موافقة النظام السياسي المصري على العدوان الصهيوني السافر على غزة "عملية الرصاص المصبوب".

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة حاليُّا هو: ما الأهداف الحقيقية من تسريبات ويكيليكس؟!
(إخوان أون لاين) يبحث في سطور التحقيق التالي عن إجابة محددة لهذا السؤال من خلال لقاء نخبة من الخبراء والمتخصصين.. فإلى التفاصيل:

إلهاء الشعوب
 الصورة غير متاحة
 د. سليمان صالح
في البداية يقول الدكتور سليمان صالح أستاذ الصحافة والإعلام الدولي بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أننا نعيش في عصر ثورة الاتصالات التي تفرض نفسها على دول العالم، وتُخضعها لشروطها وقواعدها، مؤكدًا أن من أهم هذه الشروط هي إضفاء صفة السرية على المعلومات قد اندثرت؛ ولذلك يجب أن تتعامل الدول بشفافية مع شعبها حتى لا تضع نفسها في مواقف حرجة مثلما حدث مع الولايات المتحدة.

ويوضح أن موقع (ويكيليكس) استطاع أن يصل للعالم بمجموعة من الوثائق الأمريكية التي حاولت الإدارة الأمريكية إخفاءها عن العالم، مشيرًا إلى أن هناك 4 احتمالات وراء ظهور هذا الموقع، الأول: هو أن يكون جنرالات الجيش الأمريكي وراء هذه التسريبات، خاصةً أن هؤلاء الجنرالات ملوا الحرب في العراق وأفغانستان وأرادوا الضغط على الإرادة الأمريكية لسحب قواتها وإنهاء حالة الحرب التي أنهكتها، مبينًا أن ما يعزز هذا الاحتمال تشابه ذلك مع حرب فيتنام؛ حيث إن الجنرالات سربوا وثائق تؤكد هزيمة أمريكا في الحرب، مما أدَّى لانسحاب القوات الأمريكية من فيتنام.

ويتابع: "أما الاحتمال الثاني فيشير إلى أن تكون الإدارة الأمريكية نفسها هي من سربت هذه الوثائق، بهدف إلهاء الشعوب عن قضايا أهم وأخطر؛ حيث تدين معظم هذه الوثائق عددًا كبيرًا من قادة العالم، وخاصة التي تحقر من الزعماء العرب"، موضحًا ضعف هذا الاحتمال لما تعرضت له الدبلوماسية الأمريكية من العديد من الاتهامات منها التجسس على دول العالم، مما يضعها في موقف حرج أمام حلفائها.

ويضيف أن هناك احتمالاً ثالثًا يشير إلى وجود أصابع اتهام للكيان الصهيوني، بهدف دفع الولايات المتحدة للدخول في حروب مع أطراف معينة تمثل خطرًا على الصهاينة، أو بهدف إخفاء مخططات صهيونية معينة مثل التوسع في الاستيطان أو الجرائم التي ترتكبها في حق الشعب الفلسطيني.

أما الاحتمال الرابع والأخير فيرجعه د. صالح إلى مجموعات الهاكرز التي تعمل على كسر الأنظمة المعلوماتية للولايات المتحدة، لافتًا إلى إمكانية امتلاك موقع (ويكيليكس) مجموع من خبراء التكنولوجيا التي استطاعت اختراق مواقع الإدارة الأمريكية، ونجحت في سرقة الوثائق المسربة.

انتهاء مبدأ السرية
ويؤكد د. صالح أن الدرس الذي نخرج به من هذا الموقع هو انهيار أنظمة الحماية القديمة على الوثائق الرسمية، وهو ما يتطلب أن تتعامل دول العالم بشفافية مع الشعوب وألا تخفي ما يمكن أن يتسبب في سخطٍ شعبي كبير ضد الأنظمة المختلفة.

ويشير إلى أن الوثائق التي ظهرت حتى الآن تكشف نظرة الأمريكان الدونية للشعوب والأنظمة العربية، والتبعية الشديدة من الحكام العرب للإدارة الأمريكية، مضيفًا أنها كشفت أيضًا أن الحكام العرب يرفعون شعارات في دولهم ويخفون أمورًا أخرى في تعاملاتهم مع الولايات المتحدة مثل علاقاتهم مع الكيان الصهيوني.

ويشير إلى أن هناك العديد من الانعكاسات الخطيرة التي ستظهرها الوثائق في المستقبل، معبرًا عن قلقه من أن تأتي بنتيجة غير مرغوب فيها وهي إلهاء الشعوب عن قضاياها الحقيقية مثل إمكانية تغيير الواقع.

ويقول إن تناول الإعلام العربي للوثائق مجتزء وسطحي؛ حيث يبحث عما هو مثير، بعيدًا عن التناول الجاد والعلمي لها، مؤكدًا أن هناك الكثير من الوثائق التي نشرت على موقع (ويكيليكس)، ولم تصل للإعلام العربي، مثل الوثائق التي تشير إلى احتمالية نشوب حروب بين أمريكا والعديد من دول العالم.

ويشدد د. صالح على أهمية تناول علماء عرب لهذه الوثائق وتحليلها وتحليل السياسة الأمريكية تجاه دول العالم في ضوئها، للاستفادة من التنبؤ بالمستقبل وأخذ الاحتياطات في تعامل البلدان العربية مع الولايات المتحدة.

الضوء الأخضر
 الصورة غير متاحة
 د. عماد جاد
ويؤكد الدكتور عماد جاد الباحث، والخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية ضلوع الإدارة الأمريكية في التسريبات التي حصل عليها موقع (ويكيليكس)، قائلاً: إن تلك المعلومات، والمراسلات السرية الخاصة بعلاقة الولايات المتحدة الأمريكية مع معظم دول العالم ما كانت لتخرج، بدون إعطاء الإدارة الأمريكية الضوء الأخضر لخروجها إلى النور.
ويشير إلى أن الإحراج لم يكن مسلَّطًا على الإدارة الأمريكية بشكل كبير، إلا من خلال الوثائق التي تحدَّثت عن الولايات المتحدة الأمريكية وحربها على أفغانستان، مؤكدًا أن المصلحة الأولى والأخيرة لأمريكا فهي المستفيدة الوحيدة من تلك التسريبات.

ويقول إن الإدارة الأمريكية ستستفيد من التسريبات، ضاربًا المثل بمنع التقارب السعودي- الإيراني الذي سيضرُّ بالمصلحة الأمريكية وينافي خططها في حجب إيران وحدها بعيدًا عن بقية الدول العربية، عن طريق التصريحات التي نُشرَت على لسان الملك عبد الله يهاجم فيها إيران، ويطالب بالتحرك ضدَّها، إلى جانب منفعة أمريكا من الإساءة إلى العلاقات المصرية- الفلسطينية، والمصرية- السورية.

ويوضح أن التأثير الأكبر سيعود على العلاقات بين الدول العربية، بحيث تزداد تدهورًا أكثر من وضعها الحالي، كوقف المقاربات التي أوشكت في العلاقات بين مصر وقطر، ومصر والسعودية، وبالأخص علاقة مصر بسوريا التي أوقفتها التسريبات عن علاقتهما، مشيرًا إلى أن المصلحة الحقيقية لأصحاب الموقع لم تظهر خلفياتها، كما أن تصريحات القائمين عليه تؤكِّد حصولهم على وثائق أكثر خطورة سيتم عرضها في الفترة القادمة.

عملية منظمة
 الصورة غير متاحة
السفير إبراهيم يسري
ويرى السفير إبراهيم يسري مساعد وزير الخارجية ومدير إدارة القانون الدولي والمعاهدات الدولية بالوزارة سابقًا أن ظهور تسريبات (ويكيليكس) يأتي نتيجة طبيعية للتطور التكنولوجي المتلاحق مؤخرًا، ومرادفات العولمة التي ألغت الأسرار والحدود بين الدول وفي السياسات، وخاصة السياسات الدولية منها، مشيرًا إلى أن أية دولةٍ لم يعد بمقدورها إخفاء أسرار داخلية أو خارجية، أو حتى نظامها التسليحي.

ويؤكد أن مصدر تلك التسريبات مصدر غربي كامل، سرَّب المعلومات والوثائق وانطلقت إدارة الموقع لنشرها على الفور، وأنها عملية منظمة وممنهجة، موضحًا أن أحد الأهداف المحتملة خلف ذلك الموقع هو إحراج بعض قادة العالم، وخاصة قادة العالم العربي، نتيجة لانعدام الشفافية لديهم، مع اقتناعهم بأن ما يتم بينهم، وبين الولايات المتحدة الأمريكية هو سرٌّ من الأسرار الدفينة.

ويأمل أن يكون ذلك الموقع بدايةً لعملية الشفافية في العالم أجمع، واختفاء الأسرار، خاصة أنه حتى هذه اللحظة لا يوجد قانون داخل أمريكا يجرِّم ذلك العمل، وكلها محاولات للقبض عليه، ومحاولات لإصدار قانون ضدَّه، بالإضافة إلى أن الخوف قد يكون من جهاز المخابرات في بعض الدول.

صداع بلا مسكنات
 الصورة غير متاحة
د. عبد المنعم المشاط
ويعلِّق الدكتور عبد المنعم المشاط مدير مركز البحوث والدراسات السياسية بجامعة القاهرة على تسريبات (ويكيليكس) قائلاً: "أصبحت صداعًا للأمريكان، ولا يجدون مسكنات له"، مشيرًا إلى أن الوثائق المسرَّبة أدَّت إلى إحراج الولايات المتحدة أمام حلفائها؛ ما نتج عنه توتر في الكثير من العلاقات الدولية الأمريكية.

ويستطرد: "وقعت الولايات المتحدة في حرج شديد؛ ما دفع هيلاري كلينتون لتقديم الاعتذار رسميًّا للقادة، والمسئولين الذين وردت أسماؤهم بالوثائق المسرَّبة".

ويشير إلى تأثير هذه التسريبات على العلاقات الدولية والمفاوضات بين الولايات المتحدة، وغيرها من بلدان العالم، موضحًا أن هذه المفاوضات تعتمد بشكل أساسي على السرية التي أنهتها تسريبات (ويكيليكس).

ويتوقع د. المشاط ظهور وثائق جديدة خلال الأيام المقبلة تتحدث عن رؤية الأنظمة العربية لإيران، بالإضافة إلى علاقات الحكام العرب بالكيان الصهيوني وترتيباتهم معه.

مصالح الديمقراطيين
ويرى الدكتور وجيه عفيفي مدير المركز العربي للدراسات السياسية والإستراتيجية أن الكشف عن وثائق (ويكيليكس) في هذه الفترة يؤكد بالفعل أن هذا اتجاه من جانب الإدارة الأمريكية الحالية؛ نظرًا لتعرُّضها للعديد من الصدمات والضربات التي لم يستطع أوباما مواجهتها، مضيفًا أنها تتمثل في عدم تحقيق نتائج إيجابية في الصراع العربي الصهيوني، بالإضافة إلى فشله في تنفيذ وعوده التي طرحها في خطبته بجامعة القاهرة.

ويتابع قائلاً: "كما أخفقت الإدارة الأمريكية في إقناع الكيان الصهيوني بوقف بناء المستوطنات في فلسطين، وكذلك الانتكاسة التي تعرَّضت لها إدارة أوباما "الديمقراطيين" في مواجهة الجمهوريين".

ويشير إلى أن العديد من الوثائق تظهر وجود اتصالات مشبوهة تجري بين عددٍ من الدول والأنظمة العربية، في إشارة إلى فضحها الممارسات اللا إنسانية، خاصة فيما يتعلَّق بالحرب على العراق، مضيفًا أن معظم الوثائق ترتبط بإصرار من معظم الدول العربية، وخاصة دول الخليج في التخلص من إيران.

تطويع العرب!
وعن توقيت كشف الوثائق يقول د. عفيفي: إنها تؤكد سعي المخابرات الأمريكية لاستقطاب معظم رؤساء الدول العربية؛ لتنفيذ المخططات الصهيونية، مشيرًا إلى أن الأهمية الإستراتيجية لهذه الوثائق تأتي من ارتباطها لما كان يقوم به بوش الابن لتطويع الدول العربية في خدمة الكيان الصهيوني؛ حيث سلَّطت العديد من الوثائق الضوء على التعاون الكامل بين أمريكا والكيان الصهيوني، لتثبت لقادة العرب أن الأمر لدى الإدارة الأمريكية.

ويُرجِع أهمية هذه الوثائق إلى عددٍ من الأسباب: منها تجميل صورة الديمقراطيين بالإساءة إلى الجمهوريين، من خلال كشفها عن أسلوب القوة والبطش المفرط التي كانت تتعامل به إدارة جورج بوش تجاه قادة المنطقة العربية، ويؤكد ذلك ظهور هذه الوثائق على الرغم من عدم مرور الفترة القانونية للإفراج عنها.

0 التعليقات:


صفحات الموقع