عصام العريان يكتب: هل يستطيع المصريون إجبار النظام على إجراء انتخابات نزيهة؟


أقبل الصيف هذا العام ومعه مناخ حار جداً في غاية الرطوبة أدّي إلي شعور عام بالكسل والإعياء، وقد وصلت درجات الحرارة إلي معدلات عالية أدّت إلي إصدار قرارات في السعودية بحظر العمل في ساعات الظهيرة إذا ارتفعت درجات الحرارة فوق المعدلات في الأماكن المكشوفة.

وصاحب هذا المناخ سخونة عالية أيضاً في الأحوال السياسية، ليس في مصر وحدها، بل في جميع مناطق العالم العربي والإسلامي.

ففي مصر اشتدّ الجدل حول الاستعدادات الجارية للانتخابات البرلمانية القادمة بين مؤيد ومحبّذ لفكرة المقاطعة - وأغلبهم من حركات الاحتجاج والشخصيات المستقلة غير النيابية ومعهم رئيس حزب الجبهة الديمقراطية - ومنتظر لقرارات الهيئات الرئيسية في الأحزاب والقوي السياسية التي بدأت استعداداتها انتظاراً للقرار الصعب، والجميع يبحث عن ضمانات حقيقية لنزاهة الانتخابات ولو في الحد الأدني بين قرار بقانون يصدره الرئيس مبارك أو ضغوط شعبية جادة لحماية الصناديق وعملية التصويت وإجراءات الفرز.

ومع هذا المناخ تصاعدت حملة التوقيعات علي بيان البرادعي بالمطالب السبعة الذي أيّدته القوي الوطنية ورعته الجمعية الوطنية للتغيير ونشطتها الإخوان المسلمون والذي وصل خلال أسبوعين إلي أكثر من مائة وخمسين ألف توقيع بمعدل زيادة أسبوعية وصلت إلي 300 % وكانت الزيادة نتيجة التواصل المباشر مع المواطنين والناشطين والحوار الجاد حول تلك المطالب التي يتعلق معظمها إن لم يكن كلها بنزاهة الانتخابات أصلاً.

وإذا استمر معدل الزيادة بهذه الصورة فسنصل قبل رمضان إلي رقم كبير يستحق الوقوف أمامه، للضغط علي النظام من أجل الاستجابة لتلك المطالب التي أجمع عليها الجميع - حتي هؤلاء الذين لم يرحبوا بالدكتور البرادعي أو لم ينضموا إلي الجمعية الوطنية للتغيير -، ثم لتفعيل الموقعين في أنشطة الجمعية التي تتوالي رغم الصعوبات والمشاكل المتوقعة .

نفس هذا المناخ الانتخابي موجود في الأردن، وإن كان بصورة أقل صخباً نظراً لاستقرار الأوضاع هناك في نظام ملكي يريد البعض تحويله إلي ملكية دستورية، ويريد المعارضون تغيير النظام الانتخابي ليحقق آمال المعارضة في برلمان حقيقي يترجم الإرادة الشعبية.

المشهد السياسي الصيفي في العالم العربي ينذر بمخاضات عسيرة، ففي العراق ما زال العراقيون ينتظرون ولادة حكومة جديدة في ظل الاحتلال الذي يريد أن يحمل عصاه ويرحل هارباً من حجم الخسائر البشرية والمالية وتاركاً العراق في فوضي عارمة ونذر حروب أهلية ومخاطر انقسام طائفي بل وواقعي يسعي لتفتيت ذلك البلد العظيم، بلاد الرافدين، وحاضرة الرشيد وعاصمة الخلافة العباسية الزاهرة.

وفي فلسطين وصلت المصالحة المرجوة إلي طريق مسدود بسبب انحياز الأطراف المؤثرة إلي جانب سلطة رام الله المنتهية ولايتها واللاهثة وراء سراب المفاوضات والتي نجحت في حماية أمن العدو بمطاردة المقاومين وسحب السلاح من أيدي فصائل المقاومة جميعها، وتزداد الضغوط الأمريكية علي الطرف الفلسطيني بينما تتراجع إدارة أوباما أمام نتنياهو وحكومته المتغطرسة الفاشية، وما زال الحصار مفروضاً علي قطاع غزة رغم توصل قوافل السفن التي تريد كسر الحصار وعلي الضفة الغربية من جانب قوات الاحتلال، ورغم توتر العلاقات بين العدو الصهيوني وحكومة تركيا والاتحاد الأوروبي إلا أن الضعف العربي أو قل الانحياز العربي ضد حركة حماس وشعب غزة الذي أعلن استمرار دعمه للحركة وتأييدها هو السبب الرئيسي في تواصل الحصار لأكثر من أربعة أعوام.

وأمريكا التي تمسك بخيوط العالم تتخبط في مشكلاتها الداخلية وحروبها الخارجية بين أزمة تسرب النفط في خليج المكسيك والخروج أو الهروب المنتظر من العراق وأفغانستان.

والرئيس أوباما تبخرت وعوده المعسولة وكلماته البلاغية أمام الواقع المرّ بعد مرور عام علي خطاب القاهرة، وهو متأرجح بين الرغبة القوية في نجاح مرشحي حزبه الديمقراطي في الانتخابات النصفية القادمة وتجديد ولاية ثانية له وبين الالتزام بمصداقيته أمام الناخب الأمريكي الذي فقد ثقته فيه وتراجع تأييده له بنسب غير مسبوقة.

أوباما الذي حقق نجاحاً في بعض القضايا الداخلية المهمة والتي سيسجلها التاريخ له مثل مشروع الرعاية الصحية، وقوانين الإصلاح المالية، وكلاهما كانا حلماً لرؤساء سابقين ولكن آثار تلك القوانين لن تظهر للوجود إلا بعد سنوات، هذا الرئيس فشل في قضايا الأمن القومي والأمريكي وهي الأخطر بالنسبة للمواطن المذعور والذي نجحت إدارة بوش علي مدار سنوات سبع ومعها المحافظون الجدد في تضخيم إحساسه بالرعب من أجل استمرار الحروب الخارجية، لذلك لم ينجح أوباما حتي الآن في وضع استراتيجية الخروج الآمن من العراق موضع التنفيذ وتورط أكثر في إرسال آلاف الجنود إلي أفغانستان دون جدوي واضحة، وسيفشل مؤتمر المانحين كما فشلت كل الجهود السابقة لأن استراتيجية بناء الأمم وفرض النموذج التغريبي الحداثي باسم الديمقراطية لن تنجح أبداً بينما تعادي أمريكا وأوروبا الثقافة الإسلامية الأصيلة وترفض الاعتراف بنتائج الديمقراطية المعبّرة عن إرادة الشعوب كما حدث مع "حماس" وقبلها "الجزائر ".

وها هو السودان يتعرض لصيف سياسي ساخن جداً بقرار جديد للمحكمة الجنائية الدولية يتهم الرئيس البشير بجرائم إبادة جماعية في تصعيد لا يجد سنداً قانونياً فلا جديد في دارفور يؤدي إلي ذلك، والهدف هو الوصول إلي انفصال جنوب السودان بثرواته النفطية الهائلة وإشعال نار الحرب الأهلية من جديد .

هذا الصيف الساخن يعقبه الخريف.. فهل يكون ذلك الخريف هو خريف الغضب في مصر التي تشهد موجة عنف أهلي وجرائم غير مسبوقة ؟

إذا مرت الانتخابات القادمة في مصر دون رد فعل شعبي علي تزويرها ودون جهد حقيقي لمنع التزوير أصلاً فإن العواقب ستكون وخيمة.

إن الجهود التي تصاعدت احتجاجاً علي مقتل الشاب السكندري "خالد سعيد" وما زالت تتوالي انتظاراً لمحاكمة عادلة وأحكام رادعة، يجب أن تكون حافزاً لكل الشعب المصري من إسكندرية إلي أسوان، ومن السلوم إلي رفح للضغط المتواصل لضمانات حقيقية لنزاهة الانتخابات، دون انتظار لأي منح حكومية أو وعود رئاسية بنزاهة الانتخابات، فقد جربنا ذلك مراراً وكانت النتائج كما نعلمها جميعاً أن الغضب الذي بدت بوادره ضد التعذيب يجب أن يكون أشدّ وأقسي ضد التزوير، فكلا الجريمتين وجهان لعملة واحدة هي الاستبداد والفساد.

إن كل الشعب المصري وكل القوي السياسية، وكل الحركات الاحتجاجية مدعوون اليوم إلي التفكير الجدي في إجراءات عملية لحماية الانتخابات القادمة والاستعداد لما بعدها.

آن أوان الغضب الإيجابي الذي يتصاعد من أجل إجبار النخبة الفاسدة المفسدة علي التراجع أمام المطالب الشعبية الحقيقية للوصول إلي تغيير حقيقي وجاد بالاحتكام إلي الشعب وحده صاحب المصلحة وصاحب الإرادة التي يجب أن يحترمها الجميع.

ليس هذا أوان التفرق أو الاستماع إلي همس مهندسي الانتخابات الذين يوزعون المقاعد النيابية بعيداً عن الشعب، لأن ذلك سيؤدي لا محالة إلي انسحاب كبير للناس من الاهتمام بالشأن العام وبذلك ينتهي - إلي حين - الأمل في إحياء السياسة في مصر أو سيؤدي لا قدّر الله إلي انفجارات بين الحين والآخر أو جرائم غير مسبوقة في تاريخ البلد أو إلي مجهول بدت تظهر ملامحه في الاهتمامات الخارجية بمستقبل الحكم في مصر.

الله عز وجل هو الذي يقلّب الليل والنهار، وهو الذي يغيّر المناخات، وهو أيضاً الذي يدبر الأمر وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء.. سبحانه مالك الملك.

0 التعليقات:


صفحات الموقع